قدم العلماء إسهامات كبيرة في مجال التعلم خلال العصر الذهبي للعالم الإسلامي، من علم الفلك إلى الرياضيات والعلوم والطب، إذ استفاد المفكرون المسلمون من العلوم المختلفة التي وضع أسسها الإغريق القدماء، مثل الفلك والرياضيات والعلوم والطب، فترجموها وطوروا معارف جديدة. واستخدم الأوروبيون بعد ذلك هذه المعارف ما مكنهم من عبور العصور الوسطى والانتقال إلى عصر التنوير. لكن على الجانب الآخر، تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات كبيرة في مجال التعليم.
الاستثمار في التعليم
تتراوح أعمار نحو نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 0 إلى 24 عامًا. ويتوقع أن يتضاعف عدد السكان خلال النصف الأول من القرن الحالي. ولذا تحتاج دول المنطقة إلى تزويد الشباب بمهارات المستقبل كي تضمن استمرار عملية التنمية. واستثمرت الحكومات فعلًا مبالغ كبيرة في أنظمتها التعليمية، ما رفع معدلات الالتحاق بالتعليم وقلل الفجوة بين الجنسين. وبلغ متوسط إنفاق هذه الدول على التعليم نحو 4.5% من دخلها القومي خلال العقد الماضي وعلى الرغم من ذلك، ما زالت دول هذه المنطقة متأخرة عن غيرها من ناحية تطوير العنصر البشري، ما يوحي بأن مساهمة التعليم في النمو الاقتصادي والنتائج الاجتماعية لم تتحقق بعد بصورةٍ كاملة.
فجوة حرجة في المهارات
على الرغم من ارتفاع مستوى التحصيل العلمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن معدلات البطالة الحالية دول المنطقة، والتي تعد من أعلى المعدلات على مستوى العالم، تُظهر عدم التناسق بين التعليم وسوق العمل. وأدت وسائل التدريس التقليدية إلى افتقاد عديدٍ من شباب المنطقة إلى المهارات الأساسية اللازمة لسوق العمل حاليًا، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع. وأوضح المسح الذي أجري على الشباب العربي في العام 2017 أن ثلثي الشباب في بلاد الشام لا يرون أن النظام التعليمي يعدهم للمستقبل.
المهارات اللازمة للثورة الصناعية الرابعة
على المعلمين في جميع أنحاء العالم تزويد طلابهم بمهارات جديدة استجابةً للمتغيرات التي شهدتها سوق العمل، والتي تضمنت تقنيات عديدة متطورة مثل إنترنت الأشياء والروبوتات والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والطباعة ثلاثية الأبعاد، ولذا يحتاج موظفو المستقبل إلى مواكبة هذه التقنيات والتزود بمهارات تقنيات المعلومات، وهي مهارات تدعمها بعض أنظمة التعليم حاليًا مثل مبادرة تعليم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى القدرة على الابتكار في الوقت ذاته. وعلى الرغم من أن التقنيات لا تقدم حلًا بسيطًا لجميع التحديات التي يواجهها المعلمون، لكنها تحسن بيئة التعلم وتعزز التحصيل الدراسي للجيل القادم من الطلاب.
فوائد التعلم الإلكتروني
تمنح أدوات التعلم الإلكتروني الطلاب مزايا عديدة، مثل التعلم المرئي وزيادة مستوى التفاعل وتوفير المواد التعليمية لجميع الطلاب. ما يساعد في تحقيق المساواة، إذ يستطيع الطلاب والمعلمون في المناطق النائية أن يحصلوا على المواد التعليمة بصورةٍ مساوية لباقي الطلاب. وتساعد أيضًا أدوات التعلم الإلكتروني في تطوير برامج تعليمية شخصية تتناسب مع اهتمامات كل طالب واستيعابه. وتساعد أيضًا في أتمتة بعض المهام الإدارية مثل تصحيح الواجبات المنزلية، ما يمنح المدرسين الوقت اللازم للتفاعل مع طلابهم وإيجاد أدوات وموارد تعليمية جديدة. وتمنح هذه أدوات التعلم الإلكتروني الطلاب الفرصة للتعاون مع أقرانهم في مناطق جغرافية مختلفة، ما يساعدهم في الاستفادة من الثقافات المختلفة، ويثقل مهاراتهم فيستطيعوا العمل بعد ذلك في بيئةٍ عالمية.
تقنيات التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
شرعت الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في برنامج طموح لرقمنة قطاع التعليم. وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم بقيمة إجمالية تبلغ 1.5 مليار دولار إثباتًا لالتزامها بالتعلم الإلكتروني. وتتضمن تطبيقات التعلم الإلكتروني التي تنفذها دولة الإمارات المحتوى الذكي وبرامج التعلم الشخصية والتعلم عن بُعد وتعزيز كفاءة المعلمين. ولا يقتصر الأمر على ابتكار تطبيقات جديدة أو تزويد الطلاب بمهارات رقمية مستقبلية فحسب، ولكنه يتضمن أيضًا توفير البيئة اللازمة لتسهيل تطوير قطاع التعليم، ودعم خلق فرص العمل في الوقت ذاته. وساعد ذلك. فعلًا في نجاح تطبيق عالم لمسة المطور محليًا، والذي احتل المركز الأول في فئة العائلة والأطفال في متجري جوجل بلاي وأبل في 10 أسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وليس ذلك المثال الوحيد، إذ توجد في المنطقة مئات الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التعليم الإلكتروني، مثل تطبيق بيم الكويتي وبرنامج أعناب السعودي لتدريب المعلمين وتطبيق التعليم الليبي إلهام.
تأثير كوفيد-19
أثبتت أدوات التعليم الإلكتروني أنها لا تقدر بثمن خلال تفشي وباء كوفيد-19 الذي أدي إلي إغلاق المدارس والجامعات، ما يرجح زيادة الاستثمارات في هذا القطاع مستقبلًا. ويتوقع أن يصل حجم هذه الصناعة إلى 342 مليون دولار بحلول العام 2025، وسيساعد تبني تقنيات التعليم كاستراتيجية إقليمية في النمو الاقتصادي على المديين القصير والطويل. لكن بعض التحديات ما زالت موجودة، مثل إبعاد الطلاب عن عوامل التشتيت الموجودة على الإنترنت وحماية الخصوصية والأمان. ولا يزيد حجم الرقمنة في قطاع التعليم عن 3٪ فحسب حتى الآن، ولذا حان الوقت لتطويره كي يلبي احتياجات القرن الحادي والعشرين.
مستقبل تقنيات التعليم- إطلاق العنان للابتكار
سيحدث دمج التقنيات الرقمية المختلفة في التعليم ثورةً في الطريقة التي يتعلم بها الطلاب وقد يساعد حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المنافسة في عالم تقوده الاقتصادات المعتمدة على المعرفة. وقد يمثل التركيز على تعزيز التعلم الرقمي الشرارة المطلوبة لشباب المنطقة للاستفادة بصورةٍ أفضل من مهاراتهم، خاصةً أن المنطقة تشهد اهتمامًا متزايدًا بمبادرات تعليم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات. ولا تقتصر أهمية استثمار الدول في أدوات التعلم الإلكتروني المبتكرة على تزويد المواطنين بالمهارات التي يحتاجون إليها للعثور على فرصة عمل مناسبة فحسب، بل تضع الأساس للثورة الصناعية الرابعة.