في عام 1994، اجتمع أربعة من كبار التنفيذيين في شركة بيكسار لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة في أحد المقاهي المريحة حيث وقع عليه الاختيار لعقد غداء عمل مطوّل لتبادل مجموعة من أفكـار الأفلام التي من الممكن أن تنتجها الشركة الوليدة وقتئذ. كانت ثمرة هذا الاجتماع ميلادا لأفكار مجموعة من أعظم أفلام الأنيميشن على الإطلاق، مثل فيلم “Wall E” و”A Bug’s Life“، و”Monsters Inc“، و”Finding Nemo“. صحيح أن المقهـى الذي عُقد فيه الاجتماع أُغلق فيما بعد، لكنّ السينمائيين ما زالوا يُطلقون على هذا الاجتماع بأنه “غيّـر صناعة الأفلام إلى الأبد”
في الوقت الذي كان فيه اجتماع واحد فقط مثالا لعلامة تحوّل كبرى في تاريخ شركة ناشئة تحوّلت إلى شركة عملاقة في الإنتاج الفني، فإن الملايين من الشركات تعقد اجتماعات دورية لموظفيها ولمديريها التنفيذيين بدون أي نتائج تُذكـر، على الرغم من كفاءة أطقمها الوظيفية والإدارية. والسبب الرئيس في ذلك هو عدم كفاءة إدارة الاجتماعات في الشركات، فيتحول الاجتماع من خطة لعصف الأفكار ووضع المنهجيات التنفيذية إلى ما يقرب جلسة دردشة عامة.
هنا، نستعرض مجموعة من أهم المبادئ العامة التي ينبغي اتّباعها لجعل الاجتماعات الوظيفية أكثر كفاءة، سواء كان هذا الاجتمـاع واقعيا في مقر الشركة أو افتراضيا عبر الإنترنت.
قبل كل شيء: هل تحتاجون إلى اجتمـاع أصلا؟
عندما تقوم بحشد عدد كبير من الموظفين في توقيت معيّن وفي مكان معيّن، وتعطّل جبرا مسار العمل العام في الشركة أو القسم أو القطاع، فمن الضـروري أن يكون لهذا الاجتماع قيمة حقيقية حتى لو كان الاجتماع دوريا. ومن الضروري أيضا التأكد أن هذه القيمة لا يمكن إيصالها للموظفين سوى بهذه الوسيلة الجمـاعية وأن بقية الوسائل لا تؤدي الغرض نفسه.
قبل اتخاذ قرار بعقد اجتماع ما وتوزيع الإعلان على الموظفين، يجب أن يقوم الشخص المسؤول عن عقد الاجتمـاعات بالتأكد من بعض النقاط:
- هل ما سيُثار من موضوعات في هذا الاجتماع يمكن ببساطة تلخيصها وإرسالها عبر رسائل جماعية لكافة الموظفين توضّح للجميـع النقاط المطلوب إيصالها لهم بشكل واضح وسريع؟ وإذا كانت الإجابة نعم، هل سيكون له التأثير نفسه عليهم الذي يُحدثه حضورهم للاجتماع؟
- هل من الممكن حشد عدد كبير من الموظفين في مكان وزمان واحد مع ضمـان أن يستفيد الجميع حقا، ولا يكون الأمر مجرد تسجيل حضـور منهم لسماع المتحدث؟ هل توجد الإمكانيات المادية لذلك (قاعة مجهزة، أدوات متاحة للجميع إذا كان الاجتماع إلكترونيا، إلخ)؟
- هل يمكن أن يُستبدل هذا الاجتماع بنقاش أُحادي بين المدير المسؤول وبين كل موظف عبر الهاتف أو نقاش شخصي أو إلكتروني مدته عدة دقائق، يتابع فيها المدير مسار العمل ويأخذ التحديثات من الموظف، أم أنه من الضروري حشد عدد من الموظفين في مكان واحد للنقاش العام؟
بشكل عام، تحديد أهمية وجدوى والغرض من الاجتماع هو أمر شديد الأهمية، لأنه هو الذي سيحدد بالتبعية مدى استفادة الموظفين منه، ومدى اهتمامهم بالحضور في كل مرة. إذا عُقدت اجتماعات دورية بلا جدوى، فستكون الاجتماعات من أكثر الأشياء المكـروهة لدى الموظفين، وغالبا ما سيعتبـرونها إضاعة للوقت.
اثنتان من البيتزا كافيتان لإطعام الحاضرين
كقاعدة، الاجتماعات التي يحضرها عدد كبير من الموظفين هي اجتماعات فاعليتها وتأثيرها أقل بكل تأكيد. وعدم الفاعلية هنا لا يسري فقط على الموظفين الذين حضروا الاجتماع كمستمعين، بل على المسؤولين كذلك والمديرين الذين يقودون الاجتماع. بالنسبة للمدير الذي يقود الاجتماع فإن لغـة الجسد التي يستعرضها أمام الموظفين تقل فاعليتها كلما زاد عدد الموظفين في الغرفة، ويصعب عليه جدا إيصال كافة الأفكـار إلى كافة الموظفين القادمين من قطاعات مختلفة، باعتبار أن النقاط التي يذكرها في الغالب تكون عامة للغاية ولا تهم كل الحاضرين.
أما بالنسبة للحاضـرين أنفسهم، فشعـورهم بأن عددهم كبيـر يقلل من مستوى التركيز بشكل حاد، كما يزيل من عليهم عبء الاهتمام بالمشاركة في الاجتماع أو توارد الأفكـار، وبالتالي يكون وجودهم في الاجتماع أقرب للمشاهدين وليس للمشاركين والمساهمين. لذلك، أفضـل الاجتماعات التي يُمكن أن تُعقد يحضرها عدد محدود ما بين 5 – 7 أشخاص بالمتوسط، وبالتالي يكون أمام كل فرد من حاضري الاجتماع الفرصة للمشاركة وطرح أفكاره أثناء فتـرة الاجتماع التي تستمر في المتوسط لمدة 60 دقيقة. وفي حالة وجود عدد من أكبر من الموظفين، من الضـروري أن يُقسّموا إلى عدة مجموعات لعقد الاجتماع نفسه في أوقات مختلفة للتأكد من فاعلية الاجتماع وفاعلية الحضـور بالمشاركة.
باختصار، من المفيد اتباع نصيحة رائد الأعمال الأشهر “جيف بيزوس” مؤسس أمازون بخصوص الاجتماعات عندما قال: لا تعقد أبدا اجتماعا مع عدد من الأشخاص لا تكفي لإطعامهم اثنتان من البيتزا.
إعلان أهداف الاجتماع قبل عقــده
واحد من أهم ملامح الاجتماعات الفعّالة هو الإعلان عن أجندة الاجتمـاع وأهدافه وغاياته والموضوعات التي ستُناقش قبل بدء الاجتماع نفسه، بحيث يكون لدى كافة العاملين والموظفين المستهدفين بحضور الاجتماع رؤية عامة عن غرض الاجتماع والموضوعات التي سيُشار إليها.
بحسب تقرير شهير أصدرته صحيفة النيويورك تايمز بخصوص التنظيم عالي الكفاءة للاجتماعات، جاء في القاعدة الأولى أنه من اللازم أن يعرف كل موظف الهدف الذي يُجمعون من أجله، والأشياء التي من المفترض أن يولوها اهتماما خاصا ومراجعة قبل الذهاب إلى الاجتماع. تتحقق هذه القاعدة عبر إعلان أو وثيقة أو رسالة إلكترونية رسمية تُرسل إلى كافة أعضاء الفريق المستهدفين للاجتماع بوقت كافٍ قبل موعد الاجتماع.
الاستثناء الوحيد الممكن لهذه القاعدة أن يكون الاجتماع أصلا بغرض إخبار الفريق بمفاجأة ما مبشّرة كخبر استحواذ أو خبر تحقيق أهداف محددة، ومع ذلك من المفضّـل أن يتم إخبار الفريق سابقا بأنه سيكون هناك “مفاجأة” في الاجتماع. في كل الأحوال، سواء كان الاجتماع دوريا أو تنفيذيا أو بغرض النقاش أو العصف الذهني أو حتى اجتماع إخباري تخبر به الإدارة أعضاء الفريق بالمزيد من المستجدات، من الضـروري التنويـه لأهداف الاجتماع قبل انعقاده حتى ولو برؤوس عناوين مفتاحية.
تنظيـم الاجتماع بشكل حاسم
سواء كان نمط إدارة الشركة أو فريق العمل يتخذ الأسلوب المرح أو الأسلوب الجاد أو حتى الأسلوب التقليدي الروتيني، ففي جميع الأحوال عندما يأتي الأمر إلى تنظيم الاجتماع فمن الضـروري بشكل حاسم اتباع منهجيـة أساسية لإدارة النقاش بهدف أن يكون الاجتماع مثمرا بالفعل، ولا تختلط الأصوات والأفكـار والهمهمـات وتكثـر المقاطعات للمتحدثين، فيبدو الأمر في النهاية أقرب إلى دردشة عامة وليس اجتماعا مهنيا.
قبل بدء الاجتماع، من الواجب على مديره أن يركّز على عدد من النقاط التنظيمية:
- عدم المقاطعة أثناء حديث أي شخص في الاجتمـاع، مهمـا كانت الحاجة مُلحّة لمقاطعته. أما إذا كان الأمر شديد الإلحاح، فمن الممكن أن يستأذن الفرد الذي يطلب المداخلة من المتحدث ومن مدير الجلسة في الوقت نفسه.
- من الضـروري أن يشدد مدير الاجتماع على إغلاق جميع الوسائل التي تستدعي التشتيت مثل الهواتف النقالة أو أي مصادر إزعاج أخرى.
- من المهم أن تتوفر أدوات تسهّل عملية النقاش لأعضاء الفريق، مثل توفير أوراق وأقلام أمام كل فرد لأخذ الملاحظات، سواء الملاحظات النهائية للاجتماع، أو لتدوين أفكاره التي يرغب في نقاشها مع الآخرين عندما يأتي دوره. دور مدير الاجتماع أن يطالب الأعضاء بتجهيز الأوراق أو تجهيز ملف “Word” أو “Notepad” لأخذ الملاحظات إذا كان الاجتمـاع إلكتـرونيا.
لا أشخاص صامتون.. يجب على الجميع المشاركة
شرط من شروط الاجتماع الناجح هو أن يشارك الجميع بالحديث، وليس فقط الاستماع للتوجيهـات أو ما يقوله المدير أو مسؤول الجلسة، ثم يتحدث أحد الأعضاء أو اثنان منهم قبل أن ينفض الاجتماع دون أن يساهم الآخرون في الحديث وطرح الأفكـار. قد تكون هذه الفكــرة -فكـرة مشاركة الجميع في الحديث أثناء الاجتماعات- مخيفة للبعض قليلا، لأنه قد يشعر بالارتباك من الحديث أو يشعر أنه ليس لديه ما يضيفه. ومع ذلك، هذا الشعور بالضغط على كل شخص يجلس لحضور الاجتمـاع في حد ذاته شعـور إيجابي، لأنه سيجعله أكثر تركيزا ووعيا لما يُقال، وسيجعله أكثر استيعابا ورغبة في المشاركة. الشعور بأن الحاضـرين لديهم الرغبة في الاستماع لرأيك ومساهمتك، حتى وإن كانت محدودة، سيجعل عقلك متّقدا طوال فترة الاجتمـاع.
لذلك، تُرشّح بعض التقارير المتخصصة في إدارة الاجتماعات البدء بإعطاء الكلمة للموظفين الأكثر هدوءا وصمتا للمشاركة بطرح آرائهم في بداية الاجتمـاع عندما تتاح الفرصة للمجتمعين بالحديث. البدء بأكثر الموظفين هدوءا ينشّط الاجتماع أكثر ويجعله أكثر حيوية لبقية المشاركين.
اختصار أهم النقاط التي جاءت في الاجتمـاع
الاجتماعات عادة ما تستمر نحو 60 دقيقة بالمتوسط، وهو ما يجعل مستوى الأفكار والموضوعات التي أُثيرت سواء من مدير الاجتماع أو النقاشات التي خاضها الموظفون الحاضرون متشعبة ومتنوّعة وشاملة العديد من الأفكار. من الضـروري أن تُلخّص هذه الأفكـار على شكل نقاط سريعة شاملة بحيث تكون مرجعا للمشاركين في وقت لاحق عند محاولة تذكـر أهم النقاط التي أُثيرت أثناء الاجتمـاع.
من الممكن عرض أهم النقاط التي أُثيرت في الاجتماع على منصة عامة يتابعها الجميع، أو تُرسل رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى جميع المشاركين في الاجتماع تضم أهم النقاط التي تطرّق لها الاجتماع. هذه الخطوة تجعل الأمور أكثر سهولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تعتبر مرجعا مهما للموظفين في حالة حدوث جدل ما يستدعي العودة إلى نقاط الاجتماع للاحتكام إليها.
من سيفعل ماذا ومتى؟
إذا انفضّ الاجتمـاع دون تحديد أدوار ومهام ومسؤوليات، فالمفترض ألا يُطلق عليه اجتماعا بقدر ما هو جلسة دردشة. عادة كل اجتماع يخرج منه المدير والموظفـون ولديهم مهام جديدة، أو على الأقل اتجاهات جديدة للفترة المقبلة والتي يُبنى عليها منهجية متابعة ومساءلة. لذلك، قبل الانتهاء من الاجتماع من الضـروري تحديد عناصـر التنفيذ أو الـ “action items” التي من المفترض تنفيذها، وأيضا تحديد المهام لكل شخص من الذين حضروا الاجتماع.
عناصر التنفيذ هي أقرب إلى خطة اللعب أو خطة المعـركة التي يُتفق عليها من قِبل المشاركين للفتـرة المقبلة، وإلا فإن الاجتماع ككل ليس ذا جدوى حقيقية. لذلك، يجب أن يُجاب بوضوح عن ثلاثة أسئلة: من يفعل ماذا ومتى؟ ما المطلوب عمله بالضبط؟، من سيقوم بتنفيذ هذا العمل؟، ومتى سيقوم بالعمل عليه ومتى سيتم تسليمه؟ إجابة هذه الأسئلة الثلاثة هي محور الاجتماع كله أصلا، والخروج من الاجتماع بدون الإجابة عنها لا يعني شيئا سوى إضاعة ستين دقيقـة من عُمـْر الموظفين والمديرين بدون أي جدوى حقيقية.
في النهاية، من الضـروري أن يكون الاجتماع -مهما كان طوله أو موضوعاته المثارة- مغلّفا بروح من الإيجابية التي تتجلى أوجهها في بعض المرح أو بعض النقاشات الجانبية التي تُضفي له طابعا إنسانيا أكثر من كونه مجرد حشد للآراء أو مهمـة وظيفية روتينية. كلما كان الاجتماع أكثر دفئا، زادت رغبة الحاضرين في الاستمرار والمشاركة بدلا من الرغبة المُلحّة في الفرار بمجرد أن تلوح الفرصة!
المصدر: ميدان