ينبع النظام التربوي في كوريا الجنوبية من نظام يطلق عليه اسم “النونتشي”، وهو فن استشعار ما يفكر فيه الآخرون وما يشعرون به، ثم الاستجابة بشكل مناسب، وهو أيضا قوة الملاحظة والصبر وقراءة المكان والناس الموجودين فيه، ومراعاة شعور الآخرين وعدم ترك شيء للصدفة.
تقول الكاتبة والصحفية إيوني هونغ مؤلفة كتاب “قوة النونتشي: السر الكوري للسعادة والنجاح” في مقال لها على موقع “سي إن بي سي” (CNBC)، إن إحدى الكلمات الأولى التي تتعلمها وأنت طفل هي “نونتشي” (تُنطق نون تشي)، والتي تترجم حرفيا إلى “مقياس العين”.
النونتشي هو القدرة على قراءة المكان الذي نوجد فيه بشكل سريع، أولئك الذين لديهم نونتشي “سريع” يعيدون تقويم افتراضاتهم باستمرار بناء على أي كلمة أو إيماءة أو تعبير وجه جديد، حتى يكونوا حاضرين ومدركين دائما لما يحدث حولهم. ولتسخير قوة “النونتشي”، كل ما تحتاجه هو عيناك وأذناك وعقل هادئ، وهذا هو الجزء الأصعب.
تؤكد الكاتبة أن “النونتشي” هو قوة عظمى في كوريا حتى أن البعض يذهب إلى حد القول إنه يسمح لك بقراءة الأفكار، على الرغم من أنه لا يوجد فيه شيء خارق للطبيعة، إلا أنه يمكن أن يساعدك في اختيار الشريك المناسب في الحياة أو العمل، وحمايتك من أولئك الذين يقصدون الأذى وحتى تقليل القلق الاجتماعي.
التربية على طريقة النونتشي
يربّي الآباء الكوريون التقليديون أبناءهم، على طريقة النونتشي؛ ابتداءً من سن الثالثة.. وهم يركزون على أعينهم وآذانهم، على الجزء الأصعب، وهو تمرين العقل على الهدوء، بهدف أن يستشعروا ما يفكر به الآخرون؛ بحيث يستجيبون بشكل مناسب، وذلك حسب القواعد الآتية:
1 – الأعذار مرفوضة
أيْ أن توبيخ الوالدين هو الشائع.. فإذا أساء طفلٌ عن طريق الخطأ إلى صديقه، ودافع عن نفسه أمام والده بالقول: “لم أقصد إزعاجه!”، هنا سيجيب الأب الكوري: “حقيقةُ أن الأذى لم يكن مقصوداً لا يجعله أفضل، إنه في الواقع يَزيد الأمرَ سوءاً”.
2 – يجب فهم عواقب الأفعال
وهذا يندرج حتى على كلمات الطفل مع وعن الآخرين؛ فالطفل الذي لا يدرك العواقب، ليس لديه نونتشي.. مهما كان رائعاً وطيباً؛ لأن حياته في النهاية ستكون خاسرة؛ لذلك يتم تدريبه لفهم العواقب التي يُعتبر عدم إدراكها جهلاً.
3 – تعليمه أن الكون لا يدور حوله
يهدف هذا النوع من التنشئة إلى تعليم الأطفال أن العالم لا يدور حولهم، وأن الأشياء لا يتم إعطاؤها لهم على طبق من الفضة.
وهناك درس آخر هو غرس الوعي بأن الفصل بأكمله هو خلية واحدة، فيجب على الطلاب احترام بيئتهم كفريق واحد، لأنهم المسؤولون عن الحفاظ عليها.
4 – عدم توظيف عمال نظافة
بعض المدارس في كوريا لا توظّف عمالَ نظافة؛ حيث يُتوقع من الطلاب أن يتناوبوا للتنظيف- كنس ومسح وإخراج القمامة، وحتى تنظيف الحمامات.. ينقسم الجميع إلى مجموعات، ويتم التناوب على المسؤوليات.
و كلما كان الطفل منظماً، قل الوقت المستغرَق للتنظيف، وبهذا يتم غرس الوعي بالفصل بأكمله كخلية واحدة؛ حيث يجب على الطلاب احترام بيئتهم كفريق واحد؛ لأنهم المسؤولون عن الحفاظ عليها.
5 – تعليم اللغة الأم بشكل قسري
يحتاج بعض الأطفال للضغط عليهم لتعلُّم النونتشي، الذي هو جزء من اللغة، وهذا ما يفعله الآباء؛ فإذا كانت العائلة مغتربة وعادت إلى وطنها كوريا، يُلحقون الطفل بمدرسة عامة كورية، هنا عليه بذل الجهد للاندماج مع من حوله؛ لينجح في بلده، حتى تصبح النونتشي في النهاية حاسته السادسة.
5 – ليس على الطفل أن يكون الأذكى أو الأغنى
بمفهومنا أن الأذكى والأغنى، هو الذي يجد النجاح والسعادة في الحياة، لكن الآباء الكوريين يربون أبناءهم؛ ليكونوا الأفضل أخلاقاً فقط، وهذه التربية هي التي تجعلهم أذكياء وينجحون بحياتهم المستقبلية.
6 – لا يُسمح للطلاب بطرح الأسئلة أثناء الفصل
عادةً ما يعطي المعلمون الكوريون، عن قصد، معلومات غامضة حول كل شيء، من مكان إجراء الاختبارات إلى اللوازم أو الكتب التي يجب إحضارها، وهي أمور تُعتبر ألغازاً.. على الطفل حلها بنفسه باستخدام النونتشي، الذي يصبح جزءاً من تعليمه، وسيتمكن من حل اللغز إذا كان شديدَ الملاحظة وصبوراً، من دون الحاجة إلى قول كلمة واحدة.
المصدر : مواقع إلكترونية