مع تواصل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، تتسارع وتيرة الأحداث المناخية المرتبطة بالتغير المناخي بين جفاف وفيضانات وحرائق وأعاصير، في السنوات القليلة الماضية.
وتدعو تقارير الخبراء إلى اعتماد سياسة التخفيف والتكيف لمجابهة هذه التغيرات. فما الذي تعنيه هذه السياسة؟ وهل قمنا بما يجب لمنع حدوث الأسوأ والاستعداد لما هو قادم؟
انقضى صيف هذا العام مسجلا أرقاما قياسية جديدة للحرارة في بعض المناطق ومخلفا آثارا كارثية لفيضانات غير مسبوقة في باكستان، وحرائق في شمال أفريقيا وحوض المتوسط وأميركا الشمالية وموجات جفاف في آسيا وأوروبا. وبدأ موسم جديد من الأعاصير بهبوب إعصار إيان الذي ضرب مناطق في خليج المكسيك وولاية فلوريدا جنوب الولايات المتحدة.
وأدت هذه الأحداث المرتبطة بظاهرة التغير المناخي إلى مقتل الآلاف وإجبار الملايين على النزوح، إضافة إلى وقوع خسائر مادية كبيرة، رغم أن الارتفاع المسجل في الحرارة لم يبلغ سوى 1.2 درجة مئوية إلى حد الآن.
ومع تواصل ارتفاع حرارة الأرض من المتوقع أن تزداد حدة تلك الأحداث ووتيرتها مما يستوجب الإسراع في معالجة الأسباب التي أدت إلى هذه التغيرات، مع الاستعداد لمجابهة الكوارث الطبيعية وخفض الخسائر الناجمة عنها، فيما أصبح يعرف بسياسة التخفيف والتكيف.
ما التخفيف وما التكيف؟
التخفيف والتكيف هما إستراتيجيتان لمعالجة تغير المناخ. ويعني التخفيف العمل على الأسباب التي أدت إلى الاحتباس الحراري، ويشمل التخفيف بحسب تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، إما عن طريق تقليل مصادر هذه الغازات، مثل حرق الوقود الأحفوري، أو تعزيز “الأحواض” التي تخزن هذه الغازات، مثل المحيطات والغابات والتربة.
ويتمثل الهدف من التخفيف في الحد من تأثير التدخل البشري في مناخ الأرض عبر تثبيت مستويات غازات الاحتباس الحراري في مستوى مناسب للسماح للنظم البيئية بالتكيف بشكل طبيعي مع تغير المناخ، مع ضمان عدم تعرض إنتاج الغذاء للتهديد، وتمكين التنمية الاقتصادية من المضي قدما باعتماد طرق مستدامة.
أما التكيف فيعني اكتساب مرونة في التعامل مع الآثار الحالية والمستقبلية لتغير المناخ، مع اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع الأضرار التي يمكن أن تسببها أو تقليلها على الأقل. وتشمل أمثلة تدابير التكيف إحداث تغييرات واسعة النطاق في البنية التحتية، مثل بناء الدفاعات للحماية من الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، كما تشمل إرساء تحولات سلوكية لدى الأفراد بهدف التقليل من نفاياتهم الغذائية.
معركة التخفيف هل خسرناها؟
كما هو معروف، حددت قمة المناخ العالمية “كوب15” التي جرت في باريس عام 2015 إجراءات التخفيف الضرورية لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة عند مستوى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي. وتتطلب هذه الإجراءات تخفيض الانبعاثات العالمية بنحو 45% بحلول عام 2030، مقارنة بمستوى انبعاثات عام 2010، وخفضها إلى الصفر بحلول عام 2050، بحسب موقع “يو إس إيه توداي” (USA Today).
ويقول العلماء إن الحد من الاحترار العالمي عند مستوى 1.5 درجة مئوية سيحمي الكوكب من أخطر تأثيرات تغير المناخ، مثل حرائق الغابات الكارثية وغمر الدول الجزرية بالكامل. لكن إجراءات التخفيف التي تم اتخاذها فعليا إلى حد الآن في طريقها إلى أن تؤدي إلى ارتفاع بحوالي 2.7 درجة بحلول عام 2100.
في المقابل، فإن العديد من الجهود الدولية تدفع إلى عدم فقدان الأمل في الفوز في معركة التخفيف، من بينها قيام 56 دولة منذ بداية 2020 بوضع قوانين مناخية تغطي 53% من الانبعاثات العالمية، وفق تقرير للأمم المتحدة. كما تمت تغطية أكثر من 20% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بضرائب الكربون أو أنظمة تداول الانبعاثات.
وعلى عكس ما كان يتوقعه الباحثون من أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية سيتواصل لمدة 30 إلى 40 سنة أخرى إذا ما تم إيقاف الانبعاثات بشكل فوري، يؤكد علماء آخرون أن الارتفاع سيتوقف خلال 3 أو 5 سنوات فقط، بحسب تقرير نشر على موقع “ذا هيل” (The Hill)، مما يغذي الأمل بأهمية إجراءات التخفيف حتى على المدى القصير.
وبالنظر إلى أن الطاقة الشمسية هي الآن أرخص أشكال الكهرباء في التاريخ، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، بدأت الأمور في التحسن، حيث وجدت دراسة حديثة من جامعة أكسفورد أن الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة سيسمح بإزالة الكربون من الاقتصاد بحلول عام 2050، وهذا من شأنه أن يوفر 12 تريليون دولار.
من التخفيف إلى التكيف
وفقا لموقع “بلانت دوت كوم” (Planet.com) فإن قمة المناخ العالمية “كوب27” (COP27) التي ستعقد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم في مدينة شرم الشيخ المصرية ستركز أكثر على التكيف مع المناخ، بدلا من التركيز فقط على التخفيف، الذي يستحوذ على 90% من التمويلات الموجهة للمناخ، مما يعكس حقيقة أن معظم الآثار السيئة لتغير المناخ لن يشعر بها الأشخاص الذين تسببوا فيه، بل أولئك الذين لا يملكون الوسائل اللازمة للتكيف.
وقد تلقت أفريقيا، على سبيل المثال، أقل من 5.5% من تمويل المناخ العالمي، رغم أنها ساهمت بأقل نسبة من الانبعاثات العالمية وتتعرض بشكل غير متناسب لمخاطر المناخ.
وقد وعد منظمو القمة القادمة بوضع التكيف بجميع أشكاله على رأس جدول الأعمال، وهو ما يعد ضروريا ليس فقط من أجل تعزيز الانتقال العادل، ولكن أيضا لمواجهة القلق من أن العالم لا يزال بعيدا عن المسار المطلوب للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
المصدر : مواقع إلكترونية