نعيش في العالم العربي الكثير من المتغيرات على جميع الأصعدة، سياسية واقتصادية واجتماعية،وبيئية ونحيا في واقع مليء بالصعوبات، لكن مازال هناك وقت للتفكير خارج السياق، والاستفادة من المبدعين والمبتكرين و ضرورة الاستفادة من الاقتصاد الإبداعي بسبب ما يحققه من توفير لفرص عمل هائلة، ودعم لثقافة المشاركة والتماسك الاجتماعي .
ماهو الاقتصاد الإبداعي؟
مفهوم الفكر الاقتصادي المبدع هو كيفية كسب الناس المال من الأفكار، وهو طريقة جديدة للتفكير والقيام بعمل ينعش الاقتصاد والخدمات وتجارة التجزئة والترفيه بشكل يتماشى مع مسار التكنولوجية العالمية.
تم الترويج لمفهوم الاقتصاد الإبداعي لأول مرة من قِبل الكاتب البريطاني “جون هوكنز” في عام 2001، وأطلقه على 15 نشاطا تشمل مجالات متنوعة تبدأ بالفنون وتمتد لتشمل مجالات العلم والتكنولوجيا وقدر حينها “هوكنز” حجم معاملات هذا الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم بما يعادل 2.2 تريليون دولار. ويشمل الاقتصاد الإبداعي أيضا مجالات بناء المدن والمناطق الحضارية، إذ إن إنشاء بيئة حضرية تمكن وتحفز المعرفة والابتكار والإبداع أمر مهم ومؤثر للغاية.
الاقتصاد البرتقالي مصطلح صاغه فيليبى بويتراجو ريستريبو وإيفان دوكي ماركيز، مؤلفا “كتاب الاقتصاد البرتقالي: فرصة لا حصر لها”، وقد تم إطلاق لفظ “برتقالي” على “الاقتصاد الإبداعي”، نظرا إلى أن اللون البرتقالي يعد رمزا للثقافة والإبداع والهوية عند المصريين القدماء.
مجالات العمل بمفهوم الاقتصاد الإبداعي
رأس المال العالمي وجد منابع جديدة للثروة بعيدا عن الطرق الاقتصادية التقليدية، وأصبحت الأفكار والأبحاث الإبداعية هي البوصلة لتطوير السياسات الاقتصادية العالمية، ومن هذه المجالات نذكر منها:
الاستثمار الثقافي:
برزت الصناعات الثقافية والابداعية خلال السنوات القليلة الماضية كأحد روافد الاقتصاد العالمي، ومحركا من محركات النمو، باعتبارها مصدرا رئيسا للوظائف، و ضامنا لاستقرار ورفاهية المجتمعات.
هناك أنواع من الاستثمارات في الثقافة: كالنشر وصناعة السينما وإقامة الحفلات الموسيقية، وتضرب الأمثلة في العادة ببرج إيفل الذي يعادل ثقله الاقتصادي السنوي 1 على 15 من الدخل القومي لفرنسا حسب إحصائيات 2012، الذي يسمح باستقطاب أعداد السياح، وما يصرفه هؤلاء أثناء زيارتهم من أكل وشرب ومواصلات ومشتريات، وحتى استغلال اسمه التجاري الذي يعطيه ثقلا كبيرا في الاقتصاد رغم أنه معلم ثقافي في الأساس، وتماثله حالة متحف “كوكينغام بيلباو” في مدينة بيلباو الإسبانية، التي مرت بركود اقتصادي شديد إلى أن تم افتتاح ذلك المتحف، حيث ساعد على خلق أكثر من 45 ألف فرصة عمل جديدة في الفترة الممتدة بين 1997 و2007، وأنعش المدينة وجعلها إحدى أهم المدن التي تستقطب السياح في إسبانيا، وهذه أيضا حال كل المدن في العالم التي تعتمد على معالم تراثية أو مهرجانات ثقافية.
الاستثمار في التكنولوجيا:
هو قطاع واسع جدا يشمل كل شيء (التكنولوجيا في كل مكان)، ويعد قطاع التكنولوجيا موطنا للشركات من جميع الأحجام بما في ذلك الشركات الناشئة أو العلامات التجارية المقدرة قيمتها المالية بمليارات الدولارات.
وتندرج عدة قطاعات تحت بند الاستثمار في التكنولوجيا مثل: الذكاء الاصطناعي، الهواتف الذكية، أجهزة الحاسوب والبرامج، خدمات البث Streaming، والأمن السيبراني.
ما نعنيه أن التكنولوجيا هي حولنا في كل مكان، ولم تعد حصرا على الشركات التي تنشط في مجالات التكنولوجيا الأساسية، بل كل شركة بصرف النظر عن نشاطها بات عليها الاعتماد على التكنولوجيا لمواكبة التطورات.
الاستثمار الصناعي الإبداعي
تعول الدول المتقدمة اليوم على صناعات مواطنيها الإبداعية، فإن الصناعات الابداعية هي الوحيدة التي لا تنهار أمام أي تغيير أو اقتصاد منافس أو أزمة مالية، بل على العكس من ذلك، تتجلى أهميتها في صنع تاريخ المكان والحفاظ على هوية المجتمعات بكل مساراتها ووسائلها وأشكالها لأنها قائمة على الفكر الصناعي المستدام.
توسعت الصناعة الابداعية لتشمل قسم كبير من الصناعة المستقبلية الغير تقليدية مثل: المتاحف والمكتبات والمعارض، الموسيقى والصناعة السينمائية، الرسوم المتحركة والأنيميشن، بالإضافة لتصميم المنتجات وتطوير البرامج.
الاستثمار في الخدمات الإبداعية
– الاستثمار الحقيقي المبدع هو الاستثمار في المواهب، فقد تغيرت أسس الاستثمار و تطورت لتشمل مجالات عدة برزت أهميتها في الأعوام المنصرمة، فهي مبنية على تخفيض رأس المال لتؤمن عوائد مالية عالية باستخدام التنمية الفكرية للخدمات مثل:
– الاستثمار في القطاع الإعلامي و وسائل الإعلام الجديدة، وتشمل (البرمجيات، وألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعي الرقمي).
– الاستثمار في قطاعات التسويق و الإعلان.
– الاستثمار في التجارة العالمية والبيع عن طريق الانترنت للعالم ككل.
– خدمات التصميم، وتضم (الرسم، والأزياء، والمجوهرات، ولعب الأطفال).
– الخدمات الإبداعية الذكية، وتضم (الخدمات المعمارية، والخدمات الثقافية والترفيهية، وفي بعض الأحيان الأبحاث الإبداعية).
نحن نؤمن بأن من واجبنا اغتنام الفرصة، وتعزيز نمو هذا النوع من الاقتصاد، من خلال تدريب المواهب في مرحلة مبكرة، وتحفيز الابتكار الناتج عن تلاقي الأفكار، ومحو الأمية الرقمية، وتأسيس فكر شبابي جديد وكذلك نشر المعلومات حول أفضل الممارسات ونماذج الأعمال والفرص للمبدعين في جميع أنحاء العالم، وأيضا تعزيز الإدماج والتكامل وإبراز إبداعاتنا للعالم.
و بلا دعم حقيقي من الحكومات وإيمان منها بـ”الاقتصاد الإبداعي” لن يتحقق شيء، وهناك عدد كبير من الدول بالفعل آمنت بالفكرة، وبدأت أو سعت في تطبيقها عبر أنماط وأشكال مختلفة.
من المهم تركيز الجهود على الاقتصاد الابداعي في عملية تعليم وتدريب الشباب. لأنه بفضل الثقافة تبنى رؤية الشباب لأنفسهم ولمجتمعاتهم، وتكون لديهم القدرة على بناء رؤاهم وتصوراتهم المستقلة، وبالثقافة أيضا يطورون مهاراتهم التواصلية وقدراتهم النقدية والقدرة على تقديم تصوراتهم والدفاع عنها أمام الآخرين.
و أغلب منظمات المجتمع المدني في المجتمعات العربية تؤمن بأن العمل الثقافي هو مدخل رئيسي لحل الكثير من المصاعب والمشاكل، وانتشرت الفكرة القائلة بأنه إذا أردنا أن نغير المجتمع لابد من تغيير الثقافة، إن الاهتمام بالإبداع الثقافي لا يساعد على تحسين الوضع النفسي والثقافي للشباب فقط، بل يساعد كذلك على ادماجهم في الحياة الاجتماعية ويوفر لهم فرص للانخراط في سوق العمل.
المصدر: أستوديو الشباب
youthstudio.net